Saturday, June 11, 2011

أصيل ( 8 ) ... ياسر عبد القوى


      الأسكندرية .. مدينة منسية , متروكة باهمال على ساحل المتوسط . تجتر عصر الكوزموبوليتانية , تبحث عن مزيل للرائحة , وتحشو الأخاديد التى حفرها الزمن بالمساحيق الرخيصة . تلهى العابرين بدمية للأسكندر , وناطحات السحاب التى تغرس سيقانها فى وحل العشوائيات .

     نأسى فى ندواتنا على حال المدينة , وننتقد مظاهر فقر الفكر التى تخيم على العروس الشائهة . ولعل أول من أطلق عبارة ( كفر الأسكندرية ) هو ياسر عبد القوى , تعبيرا عما آل اليه حال سيدة المدن  فما أن يلمع نجم فى سماء الأسكندرية حتى تغويه النداهة , فيرحل الى الأضواء والموائد . وكنت أرى ياسر فأتخيله فى صورة أقرب ماتكون الى صورة الرجل الأخضر لحظة التحول , اذ تتمزق سترته محررة للطاقة المحبوسة . ولم يمر بالندوة خلال تاريخها من هو أكثر منه اثارة للجدل . بالضبط كما لو أن عاصفة سيريالية هبت على الندوة . ونادرا مامرت قصائده أو قصصه مرور الكرام . بل كانت على الدوام مصحوبة بعواصف من المناقشات مابين الرفض والقبول .

      وعلى الرغم من أن السريالية فى ذلك الوقت من بدايات التسعينيات كانت موضة رائجة , تعثر على نماذج منها فى كل تجمع أدبى , وفى كل اصدارة , الا أن ياسر عبد القوى كان يتميز بالصدق . فقد كان يدرك أبعاد الاطار الذى يتحرك خلاله . وكنت تصدقه كمتلقى مهما غصت أعماله بالصور غير المألوفة , والجمل الصادمة . وقد أحدث التيار السريالى الذى جلبه ياسر الى الندوة نوعا من الحراك الثقافى . وأزعم أن أفكاره وصوره قد تلاقحت مع سواها حتى لقد كنت ألمح شذرات من آثاره فى أعمال الأدباء من الأجيال التى تلته .
 
      ولقد جسد ياسر نموذج من المبدعين متعددى المواهب , فبالاضافة الى مساهماته فى القصة والشعر ,فلقد كان فنانا تشكيليا فريدا ,لم تشبه خطوطه وتكويناته أحد من سابقيه . ومن البصمات التى تركها ياسر عبد القوى اضافة الى الروح السريالية التى نفثها فى الندوة , مساهمته فى تصميم أغلفة كتاب أصيل . فهو صاحب الأغلفة التى حملتها كلا من المجموعة القصصية عش الدبابير , ورواية الكشر التى أصدرتهما الجماعة ضمن السلسلة . ولربما روضت الأيام بعضا من  جموح ياسر . 

الا أنه نفس الفنان المتمرد الذى عرفته . وسيظل .

1 comment:

  1. كلام رائع يلمع فى القلب من أول كلمة ويذهب بالنفس فى رخاء تام ... لكن ممكن أتعرف بشخص ياسر عبد القوى ... هل هو صاحب الصورة أم أن صاحب الصورة يكتب عنه .... لأنى رأيت صاحب الصورة مرتين فى معرض أسماك معروف بالاسكندرية بشارع شامبليون

    ReplyDelete