ربما كان الدافع وراء البحث عن شعار واسم للندوة , هو الهاجس الذى ظل يراود الجماعة . يطفو حينا على سطح الوعى , ويغيب أحيانا , لكنه هاجس حى على الدوام . وهو الخشية من اقتران الندوة فى الأذهان بالنادى النوبى . رغم أن واقع الحال كان أبعد من أن يثير مثل تلك الحساسية . ويستحق الاستاذ الفاضل السيد أدريس , رئيس النادى آنذاك , كل التقدير . مصرى متفتح , يعرف قدر المثقفين , ويؤمن بدور الأدب والفن , باعتبارهما من أهم مقومات بناء الانسان . ولقد استحق احترامى الكامل , واحترام كل من عرفه من جماعة أصيل , عرفانا لمدى تقديره للدور الذى كانت تلعبه الجماعة . ومن الواضح أن تعليماته وأوامره لاداريى النادى كانت واضحة تماما , بتقديم كافة المعاونة من ناحية , ولتجنب التدخل فى أعمال وأنشطة الندوة من جانب آخر .
كانت القاعة التى خصصت للندوة عبارة عن منتدى لشباب النادى , يمارسون فيه الهوايات والسمر , وكانت تحتوى بالأضافة الى طاولتين للبنج بونج على جهاز تلفزيون عتيق مرفوع على حامل مثبت بالجدار , وبعض المناضد تعتليها طاولات الزهر ولوحات الشطرنج .
كان ( ناجى ) عامل البوفيه منذ عصر الجمعة المخصص أسبوعيا لعقد الندوة , يضم طاولتى البنج بونج , ويفرد مفرشا أخضر اللون يغطيهما معا , ويصف المقاعد , ويرفع من القاعة كل أدوات التسلية فيحولها الى قاعة مؤتمرات بمعاونة الأعضاء المبكرين . ثم يواظب على تقديم المشروبات . وكنت تشعر وهو يدفع الباب برفق اثناء انعقاد الندوة , ويتحرك بحرص كأنما على أطراف أصابعه , يوزع الأكواب فى صمت ثم يتسلل مغادرا فى هدؤ , الى أى حد يدرك ذلك الرجل البسيط قيمة النشاط الذى يدور فى القاعة .
وعلى امتداد سنوات لم يخرق أحدهم خصوصية الندوة , ولم يتدخل أحد من موظفى النادى أو أدارييه فى أعمالها . وكنا نملك أن نناقش كل الموضوعات , ونحطم جميع التابوهات دون أن يحفل بنا أحد . فيضاجع الموتى السماء بعامود السوارى , فى قصيدة ياسر عبد القوى ( الرأس البرونزى ) , وينشد عبد الرحمن عبد المولى ( الشاعر المفقود ) قصائده فى هجو العرب وانتهاكهم أذ يشاركون فى تطويق العراق تمهيدا لطحنه , ويرصد أنور جعفر بدايات المد الوهابى فيكتب (دماء على تل الزمار) ¸ويلقى حجاج قصته القصيرة ( ليس مع العبيط ) , ويناقش المرحوم محمود حنفى روايته ( ظل عائشة ) حول هزيمة الوطن ,يخترق فيها المحظور السياسى والدينى معا . وتنصت القاعة لشهدان الغرباوى وهى تلقى أشعارها متجاوزة كل الحدود .
غاية الأمر أن علاقة أشبه بالتكافل قد نشأت بين أصيل وبين النادى النوبى , برعاية الرجل الأصيل السيد أدريس . كان النادى يوفر قاعة دائمة واستقرارا تاما للأدباء . بينما كانت الندوة تغطى نشاطا ثقافيا هو من صميم أنشطة نادى اجتماعى . فكنا لا نعترض على تضمين فعاليات الندوة ضمن سجلات النادى كنشاط ثقافى يدعم مجلس الادارة . كما كنا نوجه الدعوات للندوات العامة باسم رئيس النادى .
أذكر فى هذا المقام أن عن للجماعة أن تستضيف فى أحدى ندواتها عام 93 الأديب نعيم تكلا كاشارة الى انفتاحها واحتفائها بكافة التوجهات وللتدليل على قبول الآخر مهما كانت توجهاتة فى اطار الأدب والفن . ولم يكن لدى الوسط الثقافى حينها استعداد لتقبل أعمال نعيم التى تدور حول يهود مصريين أجبروا على الرحيل من مصر تاركين ذكريات وحيوات وصداقات . وجهنا الدعوة اذن لنعيم لحضور أحدى الندوات . ورغم أنه لم يزد عن المشاركة فى فعاليات الندوة الا أن موجة من الأقاويل والشكوك ثارت لأسابيع فى مناخ يعلى من قيم الانغلاق ( ربما كان مقدمات لما آلت اليه الأحوال اليوم ) . ولم يكن يشغلنا كجماعة الا ماقد يكون من تأثير ذلك على أدارة النادى . وأذكر أننى حين استطلعت رأى السيد أدريس أن ابتسم بود وقال : زوبعة فى فنجان ستنتهى .. لا تهتم .
وفر السيد أدريس أذن ملاذا آمنا للندوة . ووفرت له الندوة نشاطا مشرفا طالما افتخر به.
*الترتيب من اليمين ( يحيي مختار - السيد أدريس - صبري أبو علم - أحمد نبيه - محسن الطوخي )
No comments:
Post a Comment