ظهرت لأول مرة فى التاريخ البشرى الملكية الفردية للارض المستندة على القوة والقهر , والتى ظهر فى مقابلها العبودية والرق والتبعية , وتحرر بموجب هذه القاعدة القانون المعروف باسم ( الاستسلام مقابل الطعام والمأوى ) , وقد شهد ذلك العصر اكبرصور القهر والاستغلال لقوة الانسان وقدرته على العمل الشاق لصالح المالك المستغل والذى لايسمح بالمساس بحقوقه التى حصل عليها بالخديعة تارة والمكر تارة اخرى .
اصبح الانسان الذى كان حرا عبداً ورقيقا , واصبح اولاده يكتسبون هذه السمات بمجرد الميلاد , كما اصبح السادة يرثون السيادة عن ابائهم , وزاد الجشع والرغبة فى التوسع ونشأت الحروب التى كانت تهدف للسيادة والهيمنه وتحول المهزومون الى عبيد وارقاء , مما سهل من سيادة النمط العبودى واتساعه بحيث شمل القبائل والمجتمعات المهزومة ، وتركز اعداد السادة وزادت قوتهم نتيجة ماحصلوا عليه من ثروات نتيجة الغزو من ناحيه , ومن ثمار جهود الارقاء التى كانت بكاملها من نصيب السادة من ناحية اخرى , وتشكل البناء الاجتماعى وفق هذه القواعد , واصبح للسادة وحدهم حق الحكم والقيادة المدنية وقيادة الجيوش التى كانت تشكل من ابناء السادة ومن فى مستواهم , فحتى المقاتلون كانوا من السادة واولادهم والذين عرفوا بالنبلاء , وظهرت فى هذه المرحلة من مراحل النمو الاجتماعى للبشرية بعض نظم الحكم ، والتاريخ يذكر لنا بلاد اليونان على وجه الخصوص حيث ترك لنا القدماء الكثير من الوثائق التاريخية المكتوبة التى مكنتنا من الدراسة والتوثيق .
كما ظهر هذا النمط وساد ايضاً فى روما القديمة والتى ورثت مجد اليونان بعد هزيمتهم والقضاء على حضارتهم , وتجدر الاشارة الى انه فى هذه المرحلة سواء فى بلاد اليونان او روما القديمة ظهرت اول اشكال الحكم فى صورة مجالس تمارس الحكم من خلال ما عرف تاريخيا بالديمقراطية المباشرة , وهى تعنى مشاركة جميع المواطنين فى تلك المجالس ومناقشة كل ما يتعلق بنظم الادارة والحرب وتنظيم ميزانية الدولة , وقد يتصور البعض ان هذا هو افضل اشكال الممارسة السياسية , ولكن يرد على ذلك بان المقصود بالمواطن وفق هذا النظام هم مجموعة السادة من النبلاء والحكام فقط , حيث لايعد العبيد او الرقيق من المواطنين الذين لهم حق المشاركة فى الحكم , وقد عرف هذا النظام من الحكم بالاوليجاركية اى حكم الاقلية من الصفوة وارباب الملكية والنفوذ , وقد ظهر اول اشكال الحكم فى اثينا واسبرطة من اكبر مقاطعات اليونان فى ذلك الوقت حتى انها تسمى بالديمقراطية الاثينية , وكانت تسمى تلك المجالس الاثينية باسم البول Boul وكانت القاعات التى يجتمع فيها هذا المجلس تعرف باسم البولتريون Bouleuterion .
اما فى روما القديمة فكان يعرف مجلس الحكم بمجلس السانتا وكان ليسمح بالمشاركه فيه الا السادة الاحرار المسموح لهم بذلك وهى كما سبق سلطة تتراوح بين الديكتاتورية اى حكم الفرد الاوحد عندما يكون الحاكم من ذوى القوة والجبروت , او الاوليجاركية اى حكم القلة المتحكمة فى السيادة والثروة والقوة ، والمواطن فى روما هو الحر من السادة والنبلاء وهؤلاء وحدهم الذين لهم الحق ليس فقط فى المشاركة فى الحكم ، ولكن السكن والعيش فى مدينة روما , وعلى العبيد والغرباء ان يسكنوا خارج المدينة ولايسمح لهم بالبقاء فى روما بعد وقت المغرب وهم بالطبع الموصوفون ب : الاملاك او من ليسوا باهل روما وكان يطلق عليهم لفظ بروليتاريا , وهو اللفظ الذى استخدم فيما بعد للتعبير عن الطبقة العاملة والتى لم يكن اى منها يملك وسائل الانتاج , وقد صاحب ذلك العصر العديد من الثورات التىكان يقوم بها العبيد فى سبيل حريتهم ولكن دائما ماكان السادة المدربون على الحرب والقتال مايتصدون بالهزيمة والقهر , ويذكر لنا التاريخ عدد من الثورات المشهوره والتى كان من ابرزها ثورة ايطاليا والتى بدأت بتجميع العبيد فى صقلية عندما علموا ان السادة فى حروبهم احتاجوا بشدة للرجال ليصدوا بهم غارات السمبرييين فلما لم يجدوا اصدروا قرارا بتحرير كل من اصبحوا ارقاء لعجزهم عن سداد الضرائب المفروضه عليهم , فوعدهم اسيادهم بالحرية ان هم ساعدوهم فى صد الغزو فاستمات العبيد فى حرب الاعداء وهزموهم ولكن سادتهم اخلفوا وعودهم فثار العبيد مرة اخرى واستمروا فى اثارة القلاقل سنوات كثيرة حتى خمدت الثورة ومات قادتها واعتصر الفقر والجوع اغلب العبيد فهدأت الثورة التى تعد الثورة الثانية بعد الثورة الزراعية الاولى فى المدة من 145 ـ 78 ق. م , وهى الحرب التى قامت بين العبيد وبين سادتهم الفاتحين عندما زادت ثرواتهم نتيجة النهب والسلب والغزو وبالتالى اتساع املاكهم وحاجتهم لمزيد من العبيد للعمل فى تلك المزارع بالسخرة والاسترقاء اىتحويل الاحرار الى رقيق للعمل فى الارض .
ومن الثورات الشهيره فى هذا المجال هى ثورة العبيد بقيادة اسبارتاكوس فى خلال الفترة من عامى 80ـ72 ق . م حيث بدأت الثورة بهروب عدد من العبيد المصارعين والذين كانوا يصارعون الحيوانات المتوحشة فى الحفلات والمناسبات وكانت غالباً ما تنتهى حياة الفرد منهم بالموت والقتل فى تلك المسابقات الوحشية , وحاول مائتان منهم الهرب الى الجبال واخذوا يغيرون على المدن المجاورة طلباً للطعام , واختاروا لهم قائدا من اهل تراكية يدعى سبارتاكوس الذى وجه نداء لجميع الارقاء فى ايطاليا , فانضم اليه جميع المتعطشين للحرية , واستطاعوا بفضل حسن التنظيم ان يتغلبوا على جميع القوى التى سيرت للقضاء عليهم , ورغم ان روح القائد كانت نبيلة الا ان المقاتلون من الارقاء تمردوا على قائدهم بعد ان حاول تنظيم مسلكهم بعدم مهاجمة الامنين وسلبهم حيث تحول هؤلاء الثوار الى قطاع طرق ومتمردين , وكان من نتيجة هذا التمرد الانشقاق عن القائد وبروز قواد اخرين اقل شجاعة وبسالة مما يسرفى النهاية القضاء عليهم , مع انهم كانو فى الحقيقة اصحاب قضية وطلاب تحرير , وقد استطاعوا فعلاً تخويف جميع السادة الذين كانوا ينعمون بجهد وناتج عمل هؤلاء الارقاء .
وما يعنينا فى هذا السرد الموجز هو بيان ان هذه الثورات لم تذهب نتائجها سدى بل ايقظت وعى الارقاء بعدالة قضيتهم واحقيتهم فى ينالو النصيب العادل من عائد انتاجهم وان فى مستوى انسانى من تلك المستويات المتدنية التى كانو يعيشونها , كما كان لتطور المجتمعات , وظهور الاقطاعات الشاسعة من الارض والتى تخضع لحكم واحد من السادة الاقوياء , وكذلك التطورات الفكرية والفلسفية وظهور طبقة متميزة من الاصلاحيين والفلاسفة قد مهدت لوجود شكل جديد من اشكال البناءات الاجتماعية الجديدة بشكل لم يكن سائدا من قبل له من السمات مايميزه عن غيره من الابنية الاجتماعية ونظم الحكم السابقه عليه , وهو ما عرف تاريخيا بالنظام الاقطاعى , وهو نمط تحرر فيه الارقاء نسبياً عما كانوا عليه من قبل ونشأت بنهم بين السيد الاقطاعى علاقة جديدة تمثلت فى ( الامن مقابل الولاء ) ولكن بمرور الزمن تحول هؤلاء الى ارقاء الارض او اقنان الارض والذى كان عليهم الخضوع الكامل للسيد صاحب الاقطاعية والذى يتمتع بسلطات توازى سلطات الملك , كما كان لكل اقطاعيه جيشها المكون من السادة النبلاء , والذين كان لهم وحدهم الحق فى الحصول على القاب الفرسان ,حيث انهم من السادة وليسوا من العبيد , وكان لظهور المسيحيه كديانة معتبره ان اصبح رجال الدين طبقة مميزة من سادة المجتمع , حيث كان السلطان الابوى على جميع السكان وهم وحدهم وفق الشريعة المسيحية الذين لهم حق تفسير النصوص , بل وحصلوا على كل القاب المهابة والتقديس , فضلا عما يتمتعون به من سلطة روحية على جميع الرعايا ( الشعب ) , كما ان نصيبا ضخما من عائدات الاقطاعية .
والاقطاعية كوحدة اقتصادية تعيش على قاعدة الاكتفاء الذاتى الذى يكفل لها ولمثلها الاستقلال الكامل فى ادارة جميع شئونها ، بعد دفع مبلغ سنوى معين للملك فى عاصمة اللاد نظير فرض رعايته الاسمية على تلك الاقطاعيات , وهى بالطبع نظم مقفولة ولا يجوز لغير اهلها العيش فيها او العمل او ممارسة اية حرفة او مهنه , ولم يكن هناك اى شكل من اشكال الحكومات او النظم السياسية داخل الاقطاعية , فلا مجلس شيوخ ولامجلس حكم او سواه فقط السيد المالك والنبلاء ورجال الين واقنان الارض , وتعتمد العلاقات التبادلية فيما يتعلق بالسلع على نظام المقايضة داخل حدود الاقطاعيه ولم يكن لاى اقطاعية نقودها الخاصة بها حيث تتركز الثروة فى يد السيد المالك والنبلاء , بينما اقنان الارض لهم المأوى والطعام فقط نظير الامن الذى يفترض ان يضمنه لهم النظام مقابل اخلاصهم وولاءهم للسيد المالك , والكنيسة تمنحهم الغفران وتأمرهم بالطاعة وتحرم عليهم الخروج على ما تعارفو عليه من القواعد التى تكرس العبودية والقنانه , وذلك نظير ملكوت السماء الذى لايتاح الا للطائعين لسادتهم فى الاقطاعية والقانعين بما هم عليه والصابرين على الاذى فى حياتهم الدنيا .
No comments:
Post a Comment