فى الوقت الذى يحتفل فيه جميع عمال العالم بعيد العمال وماحققته الحركة العمالية عبر تاريخها الطويل من مكاسب فى مقابل ا رباب العمل ، نجد ان العمال المصريين يجترون الامهم واحزانهم على ما فقدوه من حقوق وامتيازات عبرنضالهم الطويل ، وذلك بسبب خيانه القيادات النقابية المزيفة والتى استطاعت عبر سنوات طويلة من حكم النظام السبق ان تسرق هذه المكتسبات ، وان تتآمر مع نظام الحكم السابق باختزال هذه المكاسب والالتفاف عليها بالحيلة ووالمماطلة نظير مكاسب شخصية ، وفى كثير من الاحيان بدون ثمن فيما عدى التمتع بمراكز قيادية فى البناء العمالى غير الديمقراطى والتى تسيطر عليه قيادات منذ ما يزيد على اربعين عام من عمر الاتحاد العام للعمال ، والذى كان يعين فى الغالب وزير القوى العاملة من بين قياداته الورقية من العناصر التى يسهل السيطرة عليها ، وكذلك وكيل مجلس الشعب عن العمال ، ورئيس لجنة العمل بمجلس الشعب ، فمن اجل هذه المناصب تم بيع القضايا العمالية والحقوق العمالية واصبح اتحاد العمال ممثلا لاصحاب الاعمال ومدافع شرس عن مصالحهم وليذهب العمال الى الجحيم.
استطاع العمال المصريون بعد نضال مرير ولسنوات طويلة تحقيق العديد من المكاسب والتى حفظتها لهم القوانين المنظمة للعمل فى مصر، وكان من بينها تحديد ساعات العمل واحقية العامل فى الاجازات السنوية والمرضية بأجر كامل ، وضمان الحد الادنى للاجور والمكافآت والحوافز, والتامين الصحى , والتأمينات الاجتماعية , والمشاركة فى عضوية مجالس الادرات بالشركات والهيئات التى يعملون بها , والمشاركة فى الارباح السنوية , واحقية تكوين نقابه عمالية فى اى شركة او هيئه يزيد عدد العاملين بها عن خمسين عاملا , وكثير من المكاسب التى ضمنها لهم القانون 48 لسنة 1974 الخاص بالعاملين فى شركات القطاع العام والذى تحول فيما بعد الى قطاع الاعمال العام قبل تصفيته وبيعه بأبخس الاسعار للمحاسيب والاقارب من المغامرين واللصوص وناهبى اموال الشعب فى صفقات مريبة ومعيبة فى آن واحد , وكذلك القانون 139 فى شأن عقد العمل الفردى والذى ضمن الحقوق العمالية وضمن فى الوقت ذاتة حق التقاضى امام المحاكم العمالية التابعة للقضاء المصرى العادى ، وكان القانون هو الفيصل فى اى خلاف ينشأ بين العمال وارباب الاعمال وبما يحافظ على حقوق جميع الاطراف , وكان ارباب الاعمال على علم ورضى وموافقة على تلك القوانين , وكانت مكاتب العمل مسئولة عن متابعة تطبيق تلك القوانين واحالة المخالفات للقضاء المصرى للفصل فيها وذلك حفاظا وضمانا لحقوق جميع الاطراف , وكانت مكاتب العمل بالاحياء والمديريات هى الرقيب على حسن تطبيق القانون واحترامه من قبل الجميع سواء اصحاب الاعمال او العاملين , كما كان لايجوز فصل العامل إلا وفق القواعد التى نظمها القانون وبما يحفظ للعاملين جميع حقوقهم المشروعة .
ثم ظهرت اتجاهات حديثة لتعديل قوانين العمل وفقا لمصلحة ارباب الاعمال دون سواهم وذلك عندما تولى الكثير منهم مواقع وزارية فى الوزارات السابقة , فلم يكن يكفى ابداً تصفية شركات القطاع العام ( قطاع الاعمال العام ) والقضاء على الطاقات المنتجة فى المجتمع بدعوى الانخراط فى الاقتصاد العالمى وفق اتفاقيات الجات للتجارة الحرة , وهى دعوة باطلة فى اساسها لأن الانخراط فى الاقتصاد العالمى يتطلب توافر الكفاءة والجدارة الاقتصادية التى تخول للاقتصديات المحلية المشاركة فى السوق العالمى و حتى تكون هناك منافسة حقيقية وتبادل حقيقى للمنافع والمصالح .
وحتى يفتح الباب على مصراعيه للاستيراد ولصالح حفنه من المتسلقين والطفيليين تم القضاء على الطاقات الانتاجية فى المجتمع , وتحول المجتمع للاستيراد على حساب المنتج المحلى , وعلى حساب الاقتصاد الوطنى , وعلى حساب الطبقة العاملة المصرية ، وسوق العمل المصرى الذى اصبحت فرص التوظيف فيه محدودة بل وشحيحة وشبه منعدمة , وحيث تم القضاء على اعداد كبيرة من العاملين عن طريق نظام المعاش المبكر والذى احال اعداد كبيرة من العمال المهره الى المعاش المبكر وهم على اعلى مستوى من الخبرة والكفاءه لينضموا بذلك لقوى البطالة والعاطلين عن العمل , ولمجاملة ارباب العمل الجدد من المغامرين والمتطفلين ولمصلحتهم دون سواهم قامت حكومة رجال الاعمال بالغاء قوانين العمل السائدة واصدار قانون العمل الموحد رقم 12لسنة 2003 لتصفية جميع الحقوق العمالية المكتسبة عبر ما مضى من زمن كافحت فيه هذه الطبقة من اجل اكتساب تلك الحقوق .
وقد صيغ هذا القانون ليسمح بكل بساطة من فرض سلطة وجبروت ارباب الاعمال دون اى ضمان لاستقرار العمال او ضمان حقوقهم , واعطى هذا القانون لارباب العمل حق فصل العامل بدون اية حقوق ، كما كف يد مكاتب العمل عن المتابعة والتفتيش على منظمات الاعمال , واصبحت عقود العمل لاقيمة لها بحجة تشجيع الاستثمار , وبلغ من الطغيان على حقوق العمال ان اصبحت المحاكم العمالية لا تتبع القضاء العادى ، بل هى محاكم ذات تشكيل خاص يستحيل معه تشكيلها , ولم تنعقد محكمة واحدة طوال المدة المنقضية من عمر القانون فى اى مكان داخل الجمهورية منذ بدأ العمل بهذا القانون , بل ان كثيرا من المنظمات والوزارات والهيئات الحكومية لجأت لتطبيق هذا القانون الظالم والذى يتيح لتلك المنظمات التلاعب بالعاملين بالمخالفة للقانون 47 لسنة 74 فى شأن العاملين المدنيين بالدولة , ومعنى هذا ان الدولة المصرية المسئولة عن حقوق الافراد والعاملين اصبحت هى اول من يخالف القانون واول العاملين على القضاء على الحقوق الطبيعية والمكتسبة بالمخالفة للدستور والقانون الذى تحول الى اداه للقهرفى يد من بيدهم حفظ الحقوق والمحافظة عليها .
ولقد بلغ الاستهتار بحقوق العمالة المصرية ان تم اختراع انماط جديده وغير مسبوقة من منظمات التوظيف , بالمخالفة لاى قاعدة او قانون وذلك للتلاعب بالقوى العاملة اى كان تخصصها وتأهيلها وكفاءتها ، فقد تم انشاء منظمات او شركات توظيف تعرف باسمCompanies Out Sources وهى شركات يتركز نشاطها فى الاتجار بالقوى البشرية المؤهلة والمدربة , والتى تقوم هذه الشركات بتوريدها للبنوك والشركات والمنظمات كسمسار او مقاول انفار , دون ادنى مسئولية على تلك الجهات المستفيده من جهود وخبرات هؤلاء العاملين ، حيث يتقاضون مرتباتهم المجردة من تلك الشركات الموردة للعمالة تحت ضغط ندرة الوظائف وبالمخلفة حتى للقانون 12 لسنة 2003 سىء السمعة , لهذا الحد بلغ الاستهتار بالقوى العملة المصرية , وبذا قد تحولت القوى البشرية فى مصر الى مجرد اقنان جدد فى سوق العمل المصرى , فى ظل ارباب اعمال لايبحثون الاعلى الربح الخالص دون الاعتبار الى اية قواعد او اسس ادارية او انسانية .
كل ذلك قد تم بمباركة وموافقة اتحاد عمال مصر المفترض فيه انه المعبر عن مصالح الطبقة العامله المصرية والمحافظ والمدافع عن حقوقها والمتحدث باسمها , وذلك وفق الاتفاقيات الدولية وتعليمات الاتحاد العلمى للعمال ، والذى يعد الاتحاد المصرى احد اعضاءه ولكن اعضاء الاتحاد الذين وصلوا الى قيادته بمباركة واختيار مباحث امن الدولة بعيدا عن الانتخابات الحرة , والذين حولوا الاتحاد المفترض فيه انه منظمة مدنية حرة الى منظمة حكومية رسمية , والذين تركوا مواقعهم فى حقول العمل الميدانى فى المصانع وتفرغوا للعمل النقابى الشكلى منذ ما يزيد عن اربعين سنه , وتفرغوا تماما لهذا العمل مع الحصول على كافة الامتيازات والرواتب من الدولة , مع ان المفترض ان العمل النقابى عمل تطوعى واذا حصل احدهم على اجر نظير عمل حقيقى فيجب ان يتم ذلك من ميزانية الاتحاد الممول من اشتراكات العاملين ، وقد آن الآوان ان يعاد بناء المنظمات النقابية العمالية على اسس موضوعية وفق رغبات وحاجات جماهير عمال مصر , وان يتم بناء كافة المستويات النقابية عن طريق الانتخاب الحرو المباشر والذى تشارك فيه جميع القوى العاملة والتى هى الاساس التنظيمى لتكوينة , والمستفيدة من انشطته ونضاله فى سبيل اعادة الحقوق العمالية , وبما يضمن نمو هذا القطاع وتطويره ليواكب الحاجات المستجدة والحقيقيه لجماهير عمال مصر .
د/ عوض مطواح
No comments:
Post a Comment